التقى البشر حول النار منذ أزمان خلت. تشاركوا طعامهم، نظروا في أعين بعضهم البعض وأنصتوا للأصوات من حولهم: نقيق ضفادع، حفيف شجر وسكون الليل. وفي أحد الليالي، وقف شخص بينهم وقال:”لم لا ننشد شيئا؟”، هكذا نتخيلّ بداية تدفق الحضارة الإنسانية، حين فاض لأول مرة المعنى ولم يتوقف إلى اللحظة، وما نحن وكل ما صُنعنا سوى منتجات تلك اللحظة.

يمكن القول إن فجر التاريخ المدون، بدأ حين استل أحد السومريين إزميله وبدأ يرسم الأصوات ويرمزها خالقاُ أولى نصوص البشر، كان الفعل ثوريا، وسمي ما قام به ذاك السومريّ “الكتابة”، وتعتبر المسمارية أقدم أشكال هذا الاختراع. استعملها السومريون لحفظ معاملاتهم المالية، توثيق انتصاراتهم وحروبهم، قص اساطيرهم، سرد أنساب آلهتهم، وتخليد صلوات أجدادهم.

نُقشت النصوص على رُقمٍ طينية وحفظت بعناية، لكنها لم تنج من تحدي الزمن، مع ذلك نجا الكثير منها، وشهد القرنان الماضيان اكتشاف الكثير من الرقم الطينية التي وصل عددها إلى أكثر من مئة وثلاثين ألف رقم طيني، لكنها بقيت صامتةً آلاف السنين، إلى أن جاء إنسان العصر الحديث ليزيح الغبار عنها ويفك رموزها، ثم يقرأ.

لا يكمن وصف الرعشة التي تعتلي الجسد حين سماعنا لـ”صوت” جلجامش الخائف من الموت قادماً من الألفية الثانية قبل الميلاد. كلماته التي بقيت مجهولة دهراً، وحبيسة الرقم الطينيّة أصبحت مسموعة ومقروءة، خوفه من الموت جزء من ذاك الصوت الذي يتردد في لا وعينا ومع فك رموز كلماته، أهديناه الخلود الذي أراده.

جلجامش: مَلحَمة جلجامِش هي مَلحَمة شِعرية من آداب بِلاد الرافِدَين، تُعدّ أقدم الأعمال الأدبية العظيمة وثاني أقدم النُصُوص الدينية المُتبقية من تلك الفترة، بعد نصوص الأهرام الدينية. يبدأ التاريخ الأدبي لملحمة جلجامش بخمس قصائد باللغة السومرية عن بلجاميش ‏، ملك الوركاء، يعود تاريخ القصائد إلى عصر سلالة أور

كانت المطرقة والمسمار من أبسط أدوات الكتابة، و عبرها ولدت المسماريّة، كانت هذه النقلة ثورة في العالم القديم، أن تنتقل من اللغة المحكية، إلى رمز يمكن تشكيله (الهيروغليفية) ، ثم اختزال “الصوت” رمزاً وجعله حروفاً، لتخلق من مجموع هذه الرموز / الأصوات: كلمة.

حافظت الكلمة على سطوتها وشدتها إلى الآن، رمز/ علامة تختزن المعنى، التاريخ، والقيمة. وحالياً، في عالمنا هذا، حيث العملات الرقمية و الـNFT، نتلمس بعضاً من الشبه، بين أول كلمة نقشت على لوح رقمي، والمعلومات المشفّرة التي يختزنها الـNFT، إذ توظف تقنيّة البلوك تشاين، لتوثيق علاقة ماليّة، تبادل من نوع ما، يختزن وعداً لا مركزياً بالديمومة، وقابلية التحقق لضبط التبادل الماليّ، وكأن رُقم الضرائب والمعاملات الماليّة السومريّة، وجدت لنفسها قريناً مستقبلياً، يتمثل بكتل تسلسليّة، تتحدى الزمن، وتعد من اسمه عليها بمعنى محفوظ لن يفنى، ككلمات جلجامش نفسها.

يحاول مشروع “كلمات” دخول عالم اللامركزية الرقمية، بالاعتماد على أسلوب مبتكر، يجمع فن التخطيط والكتابة المسمارية. مستفيداً من الأبجديّة العربية، وحجر الرشيد الخاص بهذا المشروع.  إذ نسعى عبر تدريب عين الناظر،  قارئ العربيّة على التصاميم المختلفة، لإكسابه مهارة   فك رموز ومعاني هذه الكلمات، وكأنه يتعلم أبجديّة جديدة، أو يمارس السحر .

مجموعة الـNFT   الأولى في مشروع “كلمات” تتألف من ٥٠٠ “كلمة” ذات خصائص فريدة لكل واحدة منها، فك رموزها جميعاً يكشف عن نص، يتعرف عبره القارئ  حكاية تاريخيّة من عصور غابرة، تجمع تقنيات السرد المختلفة، أي يتحول القارئ نفسه إلى مُكتشف يحاول فك الرموز وفهم معانيها وإحالاتها في سبيل كشف الحكاية التي تسردها “كلمات”.

مجموعة الـNFT  المؤسسة ستطلق المرحلة الثانية من المشروع، والتي تهدف إلى إقامة معرض افتراضي يجمع الفنانين/ات وجامعي/ات الفن والمناصرين/ات لهذا العالم الجديد في مكان واحد.  بعد ذلك، لم نتخذ خطوات حاسمة، نحن في عالم سريع وشديد التحول والتغير، والمستقبل غامض نوعاً ما، لكن ما نضمنه، أن الحكاية مستمرة، ولن تتوقف الكلمات عن حد، وما نعد به، هو أننا لن نكتفي بالفضاء الرقمي، إذ سنقيم أيضاً معرضاً في مدينة برلين، للترحيب بالفنانين/ات الجدد، ومد جسر بين الفضاء الافتراضي والواقع المعاش.

روابط مشروع كلمات

(Yasser) MxMyA NFTs | Twitter, Instagram | Linktree

يسعى فريق “كلمات” لتشكيل بنية فنية على البلوكتشين، وإتاحة الفرصة للفنانين/ات الجدد في الميتافيرس لإيجاد مكان للانطلاق في الفضاء الافتراضي.

عمار المأمون: باحث و صحفي مهتم بالشأن الثقافي، والممارسات الفنية والجمالية، مهتم بالعلاقة بين بنى الإنتاج و الشكل الجمالي.

هباء منثور: كاتبة وباحثة في تاريخ الفن والثقافة في الشرق الأدنى

ياسر المأمون: معماري وفنان رقمي، مهتم بالفن في الفضاء العام وأوضاع القادمين الجدد في ألمانيا.

في النهاية نريد القول هناك العديد من الطاقات والمشاريع العربية الي تستحق المتابعة والحديث عنها، تابعوا مشروع كلمات، وانتظروا تحديثات المشروع قريبا.